مقالة الحق و الواجب
أسئلة مشابهة :
هل الحق أسبق من الواجب في تجسيد العدل؟
قبل: " قبل أن تطالب الناس بواجباتهم علينا أن نمكنهم من حقوقهم " حلل و ناقش .
هل العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه أم هي أداء الفرد الواجبه و امتلاكه لما يخصه؟
قبل: " إن تحديد الواجب سابق لإقرار الحق " حلل و ناقش
طرح المشكلة:
يعتبر العدل من أهم الفضائل والقيم الأخلاقية التي اهتم بها الفلاسفة ورجال القانون و الدين و هو يعني لغويا الاستقامة والمساواة و نقيضه الظلم والجور وقد عرفه الجرجاني بقوله : " العدل هو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط أي العدل فضيلة بين وليلتين أما تطبيقه على أرض الواقع فقد ارتباط دائما بالواجبات والحقوق التي يحددها القانون، والحق لغة هو الشيء الثابت الذي لا يجوز إنكاره و تجوز المطالبة به و هو ما كان فعله مطابقا لقاعدة محكمة، وفي الاصطلاح يعني مختلف المكاسب المادية والمعنوية التي حولها القانون للفرد والتي يحق المطالبة بها والدفاع عنها، أما الواجب فيعني لغة ما يطلب فعله أو ما ينبغي تركه من الأقوال والأفعال و اصطلاحا بأنه شلوك أو فعل يلتزم به المره ، نظرا لقناعته به والضرورة تنفيذه، أو بسبب دوره أو مكانه المجتمعي، أو بسبب ما تفرضه عليه القواعد والأعراف الأخلاقية أيضا. لكن الفلاسفة ورجال القانون اختلفوا و تجادلوا حول طبيعة العلاقة بين الحق و الواجب و أسبقية أحدهما على الآخر في تجسيد العدالة، إذ يرى البعض أن الحق يسبق الواجب لأنه ملازم للطبيعة الإنسانية بينما يعتبر البعض الآخر أن الواجب أسبق من الحق لأنه أساس بناء الحضارات و تحقيق التطور و من هنا يمكننا طرح التساؤل التالي: هل إعطاء الحقوق أولى من و أسبق من أداء الواجب أم أن أداء الواجبات أولى في تحقيق العدالة الاجتماعية؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أن العدالة الحقيقية تقتضي أن الحق أسبق من
الواجب و هو الذي يؤسسه فقبل أن تطالب الناس بواجباتهم علينا أن تمكنهم قبل كل شيء من حقوقهم،
فالحق معطى طبيعي ملازم للوجود الإنساني و هو سابق للقوانين المدنية التي تعبر عن الواجبات و أهم
هؤلاء تجد الفيلسوف اليوناني سقراط الذي عرف العدل بقوله : "العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه ".
7
لينا الفيلسوف الانجليزي جون لوك، الألماني قولف و لقد برروا موقفهم بالحجج التالية: يعتبر الفيلسوف الروماني شيشرون من أبرز الفلاسفة القدامي الذي انتبهوا إلى هذه المشكلة وحاولوا تقديم جواب لها فالحق في رأي هذا الفيلسوف لا يتأسس على العدالة و إنما العكس هو الصحيح أي أن العدالة هي التي تتأسس على الحق لأن تطبيق القوانين لا يؤدي إلى تمتع الأفراد بحقوقهم إلا إذا كانت هي نفسها تجسد الحق وتعبر عنه و السبيل الوحيد كي تكون كذلك في رأي شيشرون هو أن تكون تابعة من الطبيعة نفسها ويقصد شيشرون بالطبيعة الطبيعة البشرية المتمثلة في العقل وما يتضمنه من مبادئ وقيم تتميز بالشمولية أي بكونها واحدة عند جميع الناس الأمر الذي يجعل الحقوق المشرعة لا تلاءم أو فئة دون أخرى و إنما تلاءم كل إنسان من حيث هو إنسان مادام أساسها ليس هو المنفعة أو المصلحة و إنما أساسها قواعد العقل السليم يقول في هذا الصدد: " طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن
جميع الفضائل ستتلاشى مضيفا لن توجد عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة لها ... كما يقر فولف بأن العدالة تقتضي أن تتقدم فيها الحقوق عن الواجبات فتاريخ حقوق الإنسان مرتبط بالقانون الطبيعي الذي يجعل من الحقوق مقدمة للواجبات كون الحق معطى طبيعي يقول فولف : " كلما
تكلمنا عن القانون الطبيعي لا تبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل بالأخرى الحقوق التي يتمتع بها الفرد بمجرد أن يولد من غير أن يطالب بها " و يعني هذا أن الحق معطى طبيعي أي أن الإنسان في حالة الطبيعة كان ينعم بكامل حقوقه ( كالحق في الحرية، والحق في الحياة، والحق في الملكية ...) و لم يعرف فكرة الواجب إلا بظهور المجتمع السياسي و يمكن القول من هذا أن الحق أسبق من الواجب، و هذا ما نصت عليه المادة 3 من إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789 و الذي تأثر بفلاسفة القانون الطبيعي: " هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية
التي لا يمكن أن تسقط عنه هذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن و مقاومة الاضطهاد أما الفيلسوف الانجليزي جون لوك فيرى أنه لما كانت الحقوق الطبيعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوانين الطبيعية وكانت الواجبات ناتجة عن القوانين الوضعية أمكن القول أن الحق سابق للواجب من منطلق أن القوانين الطبيعية سابقة للقوانين الوضعية كون المجتمع الطبيعي سبق المجتمع السياسي فإن الحقوق الطبيعية بمثابة حاجات بيولوجية يتوقف عليها الوجود الإنساني ذلك أن جميع الواجبات منقط إذا ضاع حق الفرد في الحياة و لكي تستقيم العدالة الاجتماعية وتتحقق لابد أن تتوفر لكل شخص أو فرد حقوقه دون المطالبة بواجباته أي أسبقية الحقوق عن الواجبات جون لوك " إن الحق الطبيعي ليس له بعد
قانوني ، و يقول أيضا : " لما كانت الحقوق الطبيعية حقوقا ملازمة لكينونة الإنسانية فهي بحكم طبيعتها هذه سابقة لكل واجب ..
كم أن الواقع يثبت أن سبب الظلم وغياب العدل في كثير من الأحيان هو عدم المطالبة بالحق و على هذا فالساكت عن الحق شيطان أخرس و كذلك المتغافل عن حقه كمن لا حق له مثال ذلك مطالبة العمال الذين تأخرت أجورهم بدفعها لأنها حق لهم ومطالبة سكان منطقة معينة بالسكن الاجتماعي أو مطالبة شباب منطقة ما بتوفير مناصب عمل لهم لأنه حقهم على الدولة حيث يقول الداعية الإسلامي و
المدافع عن حقوق الإنسان الأمريكي و هو من أصل إفريقي مالكوم إكس: " لقد تعلمت باكرا أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه و أن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد .
التقدر صحيح أنه من الناحية المنطقية لا بد للفرد من التمتع بحقوقه الضرورية حتى يستطيع أداء واجبه لكن أنصار هذا الاتجاه اهتموا بالحقوق و قدسوها و أهملوا الواجبات وفي المقابل تجاهلوا الواجبات من جهة أخرى و ذلك يؤدي إلى الإخلال بتوازن الحياة الاجتماعية وبالتالي غياب العدالة لأن طعيان
الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي احتدام الصراع تعارب المصالح فينعكس ذلك سلبا على وظائف الدولة السياسية والاقتصادية لذلك قبل " منتهى الحق منتهى الظلم "، كما أن إقرار هؤلاء الفلاسفة حقوقا مقدسة للفرد أهمها أحقيته في الملكية يجعلهم يدافعون بقصد أو بغير قصد عن حقوق الأقوياء بدل حقوق الضعفاء على اعتبار أن الملكية غير متيسرة للجميع بقدر ما تكون حكرا على الطبقة
الحاكمة والغنية لأن طغيان الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي إلى تناقضات و اضطرابات و ثورات يقول الشاعر الفرنسي بول فالبري: الحق فاصل بين القوى الأخرى ...
عرض نقيض الأطروحة في المقابل يؤكد بعض الفلاسفة أن للواجب أسبقية منطقية و أفضلية أخلاقية على الحق و أنه من الضروري أن يبدأ الناس بأداء واجباتهم بعدها يمكنهم المطالبة بحقوقهم فالواجب مقتضى عقلي و ضرورة واقعية تتجاوز منطق الذاتية والمصالح الضيفة وأهم هؤلاء تجد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط و عالم الاجتماع أوغست كونت و أيضا المفكر أيضا المفكر الجزائري مالك بن نبي بالإضافة إلى الفلسفي اليوناني أفلاطون الذي يعرف العدالة بقوله: " العدالة هي أداء الفرد لواجباته
و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
يرى إيمانويل كانط أن جعل الواجب الأخلاقي أساس العدالة لأن فكرة الواجب الذاته شرر أسبقية الواجبات على الحقوق فالواجب أمر مطلق منزه عن كل عرض مادي بل هو غاية و ليس وسيلة لنيل
مصلحة حيث يقول : " الواجب هو ضرورة القيام بفعل ما احتراما للقانون، و يقول أيضا " شيلان
ملان نفسي إعجابا السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي و الضمير الخلفي الذي يسري في صدري لأن الالتزام بالواجب الأخلاقي مقتضى عقلي و هذا ما يجعل من الإرادة الخيرة مصدرا لكل تشريع " . فعندما أعين ضعيفا أو أساعد عاجزا على اجتياز الطريق أرى أن ذلك من واجبي لكنني لا أشعر أن ذلك حق له علي كما أنني لا انتظر مقابلاً من هذا العمل مما يعني أنه واجب منزه عن كل كمنفعة أو
مصلحة شخصية. أما أوغست كونت زعيم النزعة الوضعية فيرى أنه يمكن أن تستغني عن الحقوق لأن قيام الجميع بواجباتهم يؤدي إلى حصولهم على حقوقهم دون المطالبة بها مثال ذلك أنا أداء الأستاذ الواجبه التعليمي على أكمل وجه و عدم مساومته التلاميذ بالدروس الخصوصية وعدم ابتزازهم و أداء التلميذ الواجبه الدراسي والأخلاقي يجعلهما يحققان توازنا وعدلا في الوسط التربوي، إذ ليس للفرد أي حق بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة لأن مجرد مطالبة الفرد بحق ما فكرة منافية للأخلاق لأنها تفترض مبدأ الفردية و الأخلاق في حقيقتها ذات طابع اجتماعي حيث يقول: " ينبغي أن تحذف. مصطلح الحق من القاموس و
تبقي على الواجب ، ويقول أيضا : " لا يملك المرء سوى حق واحد و هو القيام دائما بواجبه " . نفس الموقف ذهب إليه عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم حيث يرى أن العدالة بالنسبة له لا تتحقق إلا بالالتزام بالواجب الاجتماعي فالفرد ملزم بتطبيق الواجبات التي نصت عليها القوانين الوضعية يتناقض مع الطبيعة البشرية لأن عمل الفرد و واجبه يؤديه من أجل مقابل و من جهة أخرى أداء الواجبات لا يضمن حتما الحصول على الحقوق ( الجندي مثلا ملزم بأداء واجبه بصورة عمياه و بدون نقاش . و يقترن مفهوم الواجب بالتضحية والإيثار أي تفضيل الغير على النفس و هي قيم أخلاقية سامية و فاضلة فالواجب يفرضه الضمير وليس المصلحة أما الحق على العكس من ذلك يرتبط بمبدأ الذاتية و الأنانية وحب النفس وتفضيلها على الغير مثال ذلك إفراط بعض العمال في استعمال حق الإضراب و تضييع مصالح الشعب فالعدالة ذات طابع موضوعي بعيد عن ميول الأفراد و رغباتهم ونفس الأمر ينطبق مع صفة الكرم فالواجب هو فقط من يفرضها فقد ضحى حاتم الطائي بفرسه حتى يطعم المرأة و أطفالها اشتكت له من الجوع رغم أنه كان أشد منها جوعا هو وزوجته وأطفاله و لم يكن يملك شيئا غير فرسه التي لم يكن يجود بها أبدا لعزتها على نفسه لكن الواجب الأخلاقي جعله يضحي بها و لم يذق
من لحمها شيئا.
أما الفيلسوف و المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي فينظر إلى المسألة من زاوية اقتصادية في إطار سعيه الصادق التصور حلول واقعية ومنطقية المشكلات العالم العربي الإسلامي المتخلف حيث يرى أن
الاقتصاد في الغرب صار منذ قرون ركيزة أساسية للحياة الاجتماعية و قانونا جوهريا لتنظيمها فمن المعروف أن الفرد في الدول العربية والإسلامية يطالب بحقوقه و يؤدي بعد ذلك واجبه في حين أن الأفراد في العالم المتطور يؤدون واجباتهم ثم يطالبون بحقوقهم، فكلما أدى المجتمع واجباته زاد الانتاج و كلما زاد الإنتاج تمنع الاقتصاد بالوفرة والرفاهية واستفاد جميع أفراد المجتمع و العكس صحيح فكلما طالب الأفراد بحقوقهم اتجه نحو التكديس و الفساد والرشوة فالسياسة التي تنهض أساسا للمطالبة بالحقوق و تهمل جانب الواجبات يزيد فيها عدد المستهلكين على عدد المنتجين فيتجه المجتمع نحو التازم و الفقر ونتيجة لذلك تظهر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية و ينحل المجتمع.
النقفة صحيح أن أداء الواجب أمر ضروري للحصول على بعض الحقوق لكن الطرح الذي قدمته كل من الفلسفة الكانطية والفلسفة الوضعية بهدم العدالة من أساسها كونه يبترها من مقوم أساسي تقوم عليه الا و هو الحق فكيف يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس؟ كما أن تاريخ التشريعات الوضعية التي يدافع عنها كونت تبطل ما ذهب إليه فلا يوجد قانون وضعي يفرض الواجبات على الأفراد دون أن بقر لهم حقوقا و بالتالي تصير العدالة ناقصة شيء إلى الحياة الاجتماعية وتوازنها و هذا ما يؤدي إلى حصول التذمر وقد تحدث ثورات و اضطرابات من ثورة أجل الحصول على الحقوق فالواجب قد يصير ذريعة لتبرير الظلم والاستغلال وما حدث في الجزائر في ثورة الزيت والسكر الخير مثال و من جهة أخرى هناك حقوق لنا لا تقابلها واجبات كمتنا في التصرف بحرية في أوقات فراغنا يقول هويز : " إن حق الطبيعة هو حرية استخدام الفرد لقدرته الخاصة حسب مشيئته من أجل المحافظة على طبيعته الخاصة
أي على حياته الخاصة ..
التركيبية مما تقدم يمكننا القول أن هناك تكاملا بين الحقوق والواجبات فإذا كان لفرد ما حق، فعلى الآخر واجب إشباع هذا الحق فحق الفرد في استخدام ملكيته يتضمن واجب حيرانه في عدم التعدي على تلك الملكية، وإذا كان للفرد حق فمن واجبه استخدام هذا الحق في الصالح العام لمجتمعه بما يكفل للفرد كرامته وللمجتمع انسجامه، إن هذا التناسب بين الحقوق والواجبات هو الذي يحقق العدل لأن أي طغيان الطرف على حساب الآخر، ينتج الظلم والجور والاستغلال و هذا التكافؤ بين الحقوق و الواجبات هو العدل بعينه وما العدل في حقيقته إلا تعادل لا سبق لأحد الطرفين و من ثم الحق يكمله الواجب ليحدث ذلك التوازن والتعادل يقول العالم الاجتماعي والنفساني الانجليزي هربرت سينسر في تعريف حق الحرية: "كل إنسان حر أن يفعل ما يريد بشرط ألا يتعدى على ما لغيره من مثل حريته ..
حل المشكلة تستنتج في الأخير أن العدالة الاجتماعية تقوم على التكامل بين الحقوق والواجبات دون رجحان أحدهما على الآخر لأن حق الفرد واجب على غيره و الواجب هو الوجه الآخر للحق فحق الحياة مثلا - الذي هو حق طبيعي - هو في الوقت ذاته واجب الحفاظ على الحياة في شخصك و في شخص الآخرين و هذه الوحدة بين الحق و الواجب وحدها تساعدنا على فهم حكم المنتحر في الإسلام ولماذا شدد عليه الشرع و اعتبر المنتحر في النار لكن يمكننا القول من الناحية المنطقية أن العدالة تتمثل في ترتيب الحقوق الطبيعية الأساسية وتقديمها على الواجب من الناحية العملية الواقعية على الفرد أن يقوم بواجباته مقابل حقوق بقالها بدل الاكتفاء بطلب الحق وإعمال الواجب لذلك يقول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي: " تعد مشكلة الحقوق والواجبات والقانون و هي مشكلة طال فيها الجدل و كثر النقاش
تعبيرا آخر عن الصراع بين الفرد و الجماعة ..